Saturday, March 11, 2006

(2)

انتفض إذ سمع جرس الباب الغير متوقع، ليس اليوم، ولا في تلك اللحظة تحديداً. لن يفتح الباب و ليكن ما يكون، تجمد في مكانه تماما ً في ركن الغرفة و تعلقت عيناه على الباب، يحاول أن يكتم أنفاسه قدر استطاعته، كأن الطارق سيستطيع تمييز صوتها على تلك المسافة و مع وجود الباب و ضوضاء الشارع بالرغم من تجاوز الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل. و لكن من ينام ليلة رأس السنة؟
تعلو خفقات قلبه ضد إرادته كأنما لتفضح وجوده بالمنزل. ليت الآتي رحل الآن، ليته رحل، أو ليته صاح فيه من الخارج:" إفتح يا منير .. أنا عارف إنك جوة". ليته فعل أي شيء يكسر رتابة دقاته على الجرس، شيئا ً يزيل تلك الوحشة. هو لا يعلم من الآتي، و لكنه شعر لدى سماعه جرس الباب أنه لا يريد أن يعرف، و تصاعدت رغبته بسرعة شديدة إلى خوفه من معرفة الآتي. لم يزره أحد منذ ستة أشهر على أقل تقدير، تقريباً لا تأتيه مكالمات تليفونية بخلاف تلك التي تلاحقه منذ ثلاثة سنوات. أحيانا ً يكون مستعدا ً لعمل أي شيء فقط ليعرف من يصر على الاتصال به و عدم الكلام كل تلك الفترة، و أحيانا ً يشعر أنه من الأفضل ألا يعرف، صار المتصل المجهول هذا يمثل شيئا ً له. ربما سيفتقد تلك المكالمات إن توقفت بلا مبرر كما بدأت بلا مبرر، يسب المتصل أحيانا ً بلا انفعال حقيقي. فقط لكسر نمطية الحوار الدائر في اتجاه واحد ٍ. لم يعد يعرف إن كان يريد لتلك الاتصالات التي تحطم أعصابه ولا يستطيع الجزم بأنه يكرهها، أن تستمر او تتوقف. يبلغ عن المعاكسات لا ليسبب أذى للمتصل و لكن ليعرف. ثم يعود نادما ً على الإبلاغ. مطمئنا ً لأنهم لن يعرفون أي شيء.
كانت الدقات على الباب قد توقفت وهو غارق في أفكاره دون أن يشعر، عندما انتبه لرحيل الطارق، نهض ببطء، صار ينقل خطواته ببطء شديد بين الأوراق المتناثرة و الأقداح نصف الممتلئة و المسكوبة دون أن يتعثر في شيء، متجها ً نحو الباب.
فتح الباب بهدوء ليتأكد أنه لا أحد هناك، ثم عاد إلى الداخل مسرعا ً. أمسك ورقة و قلما ً و بدأ يكتب:
" الثلاثاء. اليوم الأول من يناير، الساعة الواحدة إلا الربع صباحا ً.
أحدهم كان يدق جرس بابي منذ قليل، لم أفتح الباب. لا يزورني أحد تقريبا ً، ولا أزور احدا ً. لا أريد علاقة لي بأحد. يتهمني الجميع بأنني جننت بعد وفاة طفلي ّ، فقط أنا لم أعد اطيق احدا ً، و لي عذري. أشعر برغبة في مغادرة المنزل الآن، لن أبيت الليلة هنا، لا أحتمل. ربما من الأفضل أن أخرج قبل أن يحاول أحد زيارتي مجددا ً و قبل أن يدق التليفون"
نظر إلى الورقة لثانيتين ثم طوحها إلى الأرض. ارتدى ملابسه مسرعا ً و كيفما اتفق، و خرج دون أي وجهة مسبقة في ليلة باردة مبتلة كتلك.
*******
تتيح له وحدته في شارع ٍ شتوي مظلم أن يتكلم. يخاف أن يتكلم في حجرته الصغيرة فوق سطح أحد المباني. يظن أن صوته يظل محاصرا ً بضيق المكان و يعود ليهاجم أذنه التي لم تعد تستسيغ صوته المشروخ المثير للشفقة، ما أسوأ ما تفعله الوحدة. (منير صالح عبد الصمد) يمارس رغبته في الكلام وحيدا ً في الشارع البارد لأن صوته سيضيع في اتساع الشارع و لن يعود إليه يائسا ً. يناقش وحدته التي تعجل ُ به إلى جنون حقيقي. وحدته، و الاتصالات المتكررة المرهقة.
ينهمك (منير) في السير و الكلام بصوت ٍ منخفض إلى أن يراها، واقفة عند التقاطع المقابل، وحيدة. لا يميز وجهها فقط ملابسها الشتوية الداكنة و وقفتها المسترخية التي لا تبدو عليها ملامح الانتظار. بلا وعي تقريبا ً يجد نفسه متجهاً إليها. يقول لنفسه ربما هي الآن في هذا المكان ليذهب إليها. وحيدة في الساعة الثالثة و النصف صباحاً، لا يعتقد أنها سترفض حديثه. هو الذي يتمنى أن يتحدث إلى شخص لا يعرفه، بلا أية توقعات مسبقة. يتجه (منير) إليها بفس خطواته السابقة المتأنية، يحاول ألا يضطرب. كف عن الكلام. و اقترب أكثر إلى أن صار واقفا ً في مقابلتها تماما ً.

Posted by Guevara at 8:32 AM



7 Comments

  1. Blogger S H E B A K posted at 9:11 AM  
    كنت متوقع الفصل ده يتكلم عن الشخص اللى كان على الباب ززز لكن انت كده خدت القصة لحتة تانية ... بس تمام يابنى
  2. Anonymous Anonymous posted at 2:48 AM  
    الشكل الجديد أهدى وأروق بكتير، حلو
  3. Blogger Alexandra posted at 2:32 AM  
    ينفع تحددوا كل فصل حيتنشر بعد قد ايه من الي قبله. انا مشدودة للرواية مووووووووووت. ومن اهم حاجة في الروايات انه البداية تشد. يلا بقى هاتوا الفصل التالت
  4. Blogger Guevara posted at 4:08 AM  
    ألكساندرا:

    بهذه المناسبة اسمحيلي أمارس السخف الإعلامي العتيد و أقولك:
    كومينج سون أون على قد لحافك

    و حليني بقى على ما (سون) تيجي
  5. Anonymous Anonymous posted at 9:42 AM  
    الفكرة جامدة جدا والقصة شيقة لحد كبير ... وفكرة ان الفصل اللى جاى مش معروف ميعاده اجمد عشان تبقى مستنى وتتخيل الباقى وفجاة تلاقى الفصل اللى بعده ... بداية قوية يا pianist
  6. Blogger elnissr posted at 12:12 AM  
    انا مش متعود اتابع القصص والروايات فصول
    لكن علشان القصه جامده جداً متابعها ومنتظر الفصل الثالث
    بس جميل جداً انتقالك من حته لحته بمهاره احييك علي الانتقال الرائع في سرد التفاصيل
  7. Blogger خوليو posted at 3:50 PM  
    وبعدين؟؟؟

Post a Comment

« Home