Monday, April 03, 2006

(5)

"الحادي و الثلاثين من ديسمبر .. الحادية عشرة مساءا ً.
وضعتُ سماعة الهاتف و انفجرتُ في البكاء، أعلم أنك سمعت صوتي أنتحب في الهاتف، لكنك لم تسمع سوى ما سمحت لنفسي به، ثلاثة سنوات يا منير و أنا لا أمل الاتصال بك فقط لأتاكد أنك لم تنتحر بعد، فأنا أعلم الناس بأنك ستفعلها يوما ً ما، و كيف لا أعرف ذلك يا منير و أنا أعلم الناس بك؟ عرفتك أكثر حتى من زوجتك التي لم تعرف عنك سوى أنك سبب تعاستها، أدرك أنك لم تحبها أبدا ً يا منير، أدرك أنك تزوجتها بعد خروجك من السجن فقط كي تسعد أباك الذي كاد يقتله إحباطه. انت تزوجت (فاطيما) الجميلة لأنني تزوجت (فتحي). و كيف كان لي أن أتزوجك و أنا أخشاك يا منير؟ أخشى أن أتخيل أننا معا ً ، كما أخشى النظر إلى كل شيء أعلم أنه مؤقت ٌ في حياتي و أعلم ُ أنني سأفقده يوما ً ما. كيف كان لي أن أتزوجك و أنا أعلم تماما ً أنك لم و لن تكون لامرأة واحدة. سا محني يا منير."

انتهت (سامية عاشور عثمان) من كتابة كلماتها و شردت في الورقة قليلا ً، ثم اتجهت إلى المرآة و أطالت النظر إلى شعرها الغير منتظم و وجهها الذي تجعد قبل أوانه. تدريحيا ً تحولت نظرتها الشاردة في المرآة إلى نظرة احتقار و اشمئزاز. (سامية) تعلم تماما العلم أنها تجيد الكذب و تصديق الكذبة، تعلم أنها تخلت عن منير ليس لأنها تخشاه، تعلم أن عمّها لواء الأمن المركزي كاد يقتلها عندما علم من أبيها أنّ منير يريد أن يخطبها:" عايزة تتجوزي عيل خول .. فاكر نفسه حاجة؟ عايزة تتجوزي واحد تفضلي انتي و هو متراقبين طول حياتكوا؟ الموضوع ده تشيليه من دماغك لحسن قسما ً بالله .. أرميكي انتي و هو في السجن!!". و الحق أن منير لم يلبث في السجن سوى شهرا ً أو يزيد من أكتوبر 1985 إلى نوفمبر1985، بعدعامٍ واحد من تخرجه من كلية التجارة جامعة الإسكندرية، خرج ناسيا ً كل شيء عن الحزب الشيوعي المصري و عن كل شيء يمت للشيوعية بصلة. و هي لم تكن تفهم شيئا ً في كل هذا، لم تفهم أساسا ً لماذا سجن و لماذا خرج و لكنها خافت. و تجاهلت حلمها بمنير الوسيم المتحمس لكل شيء جديد الذي لم تستطع فتاة أن تقاومه أبدا ً، و إن لم يبذل هو أي مجهود بل و لم يبد ُ مهتما ً أصلا ً.

تزوج هو (فاطيما) الجميلة، و تزجت هي (فتحي) الواعد بحياة مستقرة، و إن لم يفارق منير مخيلتها للحظة، و لم يحب هو (فاطيما) للحظة.

"فقط لو أنك لم تتزوج (فاطيما) يا منير، لو أنك أخترت أخرى بدلا ً من صديقة ٍ لي، لو أنك أجدت لعبة الابتعاد كما تمنيتُ لك أن تجيدها، لو أننا فقدنا كل مقدرة على الاتصال!"

أستطاعت سامية بلا مجهود كبير أن تقنع (فتحي) بمحاولة إرجاع (منير) إلى العمل مرة أخرى، لم ينجح فتحي في إخفاء ضيقه:"أنا مش فاهم يعني .. ده راجل شبه مجنون .. شتم المدير اللي فات و كان وقح مع كل زمايله في الشغل حتى صحابه! إيه اللي يهمك قوي كدة فيه؟" و لكنه كان يعلم ما يهمها، يعلم أن (منير) كان هو سابقه، يخشى رؤيته، يخشى أن يتطرق الحديث إليه دائماً، هو يعشق سامية، و لا يتخيل نفسه بدونها، لذلك يتجاهل كل ما يتعلق بذكر منير دائما ً، هو ذلك الشعور بأن الخطر لن يشتد إلا بذكر الخطر، و منير بالنسبة له خطرا ً كبيرا ً.
"يا فتحي حرام نسيب الراجل كدة .. ده غلبان .. حط نفسك مكانه يا أخي .. و مالكش حجة .. انت ربنا كرمك و بقيت المدير .. إعمل حاجة خير لحد محتاج بقى .. أنا صعبان عليا الراجل و الله" و يذعن (فتحي) بل و يدعو (منير) للعشاء في بيته بحجة أن :" عشان أبقى أخليت ذمتي من الموضوع ده .. و ما ترجعيش تقولي إني أناني و مش هاممني غير مصلحتي .. و لما تبقي تشوفي تصرفاته قدام عنيكي .. تبقي تصدقي إنه ما يستاهلش .. ما يستاهلش أي حاجة !".
و لا تدري (سامية) كيف تتصرف، تشعر بخبث زوجها، و تشفق عليه، المسكين يريد الخلاص بأية طريقة حتى و إن كانت الطريقة أن يدعو منير للعشاء في بيته. أليثبت حسن نيته و يحاول إقناع منير بالوظيفة؟ أم ليعرف ماذا يدور وراء السد المرتفع؟ ليرى ماذا قد يحدث إن إجتمعت زوجها برجلٍ يشك هو أنها تحبه؟
لا تعرف كيف مر الوقت، تعد طعاما ً ثم لا يعجبها فتكثر من الأشياء الغير ضرورية جدا ً و الأطباق الجانبية، يقترب موعد العشاء فتتزين ثم ترتبك كثرا ً فتزيل زينتها بسرعة بالماء فتمتزج الأصباغ و يبدو وجهها شائها ً مخيفا ً فتنظر لصورتها في أية مرآة و تبادر نفسها بضحكة مرتبكة، يقترب الموعد فترتجف. يقترب الموعد أكثر فتردد لنفسها:" راجل غلبان جاي يتعشى عندنا .. راجل مسكين مراته سابته و ولادة ماتوا .. ربنا يخفف عنه".
يدق جرس الباب فتمتقع تماما ً، و تسمع صوت زوجها آتيا ً من الخارج:" يا أهلاً يا أهلا ً .. إيه يا عم بتتقل علينا ولا إيه .. إتفضل يا (منير) .. نورت و الله !"

Posted by Guevara at 8:46 AM



6 Comments

  1. Anonymous Anonymous posted at 12:38 PM  
    بجد الفكرة اللي إنتوا مقدمينها في البلوج دة فكرة هايلة والقصة نفسها وأسلوب كتابتها أنا كل مابقرا جزء بحاول أستنتج باقي القصة أجي أقرا الجزء اللي بعده كل إستنتاجاتي بتطلع غلط بجد بتفاجؤني متتأخروش علينا في الجزء السادس
    مستنينكوا
  2. Blogger Unknown posted at 12:57 PM  
    يا نهار ابيض... فتحى طلع جوز سامية عاشور عثمان حته واحده!!!!... وهى اللى كانت بتكلم منير !!!... دى الدنيا صغيررررررره اوى ;))
    بجد هايل ربط الاحداث والشخصيات ده
    الله ينور :)))
  3. Anonymous Anonymous posted at 3:12 AM  
    موسيقى موفقة إلى حد كبير
  4. Blogger karakib posted at 2:31 PM  
    لذيذ اللي انتم عاملينه ده
  5. Blogger حالة طواريء posted at 11:26 AM  
    يا شباب انتو فين؟؟ يللا بانتظار الرقم 6
    سلام
  6. Blogger وتلومني فيك posted at 3:55 PM  
    كتب
    اخبار الجرايد
    تداول
    ملخصات
    روايات
    اكسسورات
    كوشات
    قصات شعر
    اطفال
    فساتين اطفال
    طبخ
    السياحه
    صور لاعبين
    سيارات
    ملابس شباب
    افلام انمي
    صور انمي
    صور
    مسلسلات
    فنانين
    برامج ماسنجر
    تواقيع جاهزه
    خامات
    ملفات مفتوحه
    برامج جوال
    نغمات
    رسائل
    برامج الكمبيوتر
    خلفيات كمبيوتر
    العاب
    العاب بلاستيشن
    منتدى

Post a Comment

« Home